كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم



قال أبو العباس محمد بن يزيد التقدير وان خفتم ألا تقسطوا في نكاح اليتامى ثم حذف هذا ودل عليه {فانكحوا} وقد قال بالقول الاول جماعة من أهل اللغة منهم الفراء وابن قتيبة والقول الثاني أعلى اسنادا وأجود عند أهل النظر وأما من قال معنى {مثنى وثلاث ورباع} تسع فلا يلتفت إلى قوله ولا يصح في اللغة لأن معنى (مثنى) عند أهل العربية اثنتين اثنتين وليس معناه اثنتين فقط وأيضا فان من كلام العرب الاختصار ولا يجوز أن يكون معناه تسعا لأنه لو كان معناه تسعا لم يكن اختصارا أن يقال انكحوا اثنتين وثلاثا وأربعا لأن تسعا أخصر من هذا وأيضا فلو كان على هذا القول لما حل لاحد أن يتزوج الا تسعا أو واحدة فقد تبين بطلان هذا.
8 وقوله عز وجل: {ذلك أدنى ألا تعولوا} {أدنى} بمعنى أقرب وروى عمر بن محمد عن هشام بن عروة عن أبيه عن عائشة عن النبي صلى الله عليه وسلم في قوله عز وجل: {ذلك أدنى ألا تعولوا} قال: «أن لا تجوروا».
وقال ابن عباس والحسن وأبو مالك ومجاهد وعكرمة وقتادة والضحاك معنى {أن لا تعولوا} أن لا تميلوا وقال أبو العباس في قول من قال: {أن لا تعولوا} من العيال هذا باطل وخطأ لأنه قد أحل له مما ملكت اليمين ما كان من العدد وهن مما يعال.
وأيضا فانه انما ذكر النساء وما يحل منهن والعدل بينهن والجور فليس لـ {أن لا تعولوا} من العيال هاهنا معنى وهو على قول أهل التفسير أن لا تميلوا ولا تجوروا ومنه عالت الفريضة إذا زادت السهام فنقص من له الفرض ومنه معولتي هذا على فلان أي أنا أميل إليه وأتجاور ثم في ذلك ومنه (عالني الشئ) إذا تجاوز المقدار ومنه فلان يعول والعويل انما هو المجاوزة وأيضا فانه انما يقال أعال الرجل يعيل إذا كثر عياله.
9 وقوله عز وجل: {وآتوا النساء صدقاتهن نحلة} قيل يعنى به الازواج ويروى أن الولي كان يأخذ الصدقة لنفسه فأمر الله عز وجل أن يدفع إلى النساء هذا قول أبي صالح.
وقال أبو العباس معنى {نحلة} أنه كان يجوز أن لا يعطين من ذلك شيئا فنحلهن رسول الله عز وجل اياه وقيل معنى {نحلة} دينا من قولهم فلان ينتحل.
كذا أي تعبدا من الله جل وعز وقيل فرضا والمعنى واحد لأن الفرض متعبد به وقيل لا يكون {نحلة} إلا ما طابت به النفس فأما ما أكره عليه فلا يكون {نحلة}.
10 وقوله عز وجل: {فإن طبن لكم عن شيء منه نفسا فكلوه هنيئا مريئا} يعني الصداق أي لا كدر فيه يقال أمرأني الشيء بالالف فإذا قلت هنأني ومرأني هذا مذهب أكثر أهل اللغة قالوا للاتباع وأما أبو العباس فقال لا يقال في الخير الا أمرأني ليفرق بينه وبين الدعاء والمروءة من هذا لأن صاحبها يتجشم أمورا يستمرئ عاقبتها.
11 وقوله عز وجل: {ولا تؤتوا السفهاء أموالكم التي جعل الله لكم قياما} قال عبد الله بن عمر وجماعة من التابعين السفهاء النساء والصبيان.
وانما قالوا هذا لأن السفه في هؤلاء أكثر والسفه الجهل وأصله الخفة يقال ثوب سفيه إذا كان خفيفا وقيل للفاسق سفيه لأنه لا قدر له عند المؤمنين وهو خفيف في أعينهم هين عليهم والمعنى ولا تؤتوا السفهاء فوق ما يحتاجون إليه فيفسدوه والدليل على هذا قوله بعد {وارزقوهم فيها واكسوهم وقولوا لهم قولا معروفا} أي علموهم أمر دينهم.
12 وقوله عز وجل: {وابتلوا اليتامى حتى إذا بلغوا النكاح} قال الحسن أي اختبروهم.
13 وقوله تعالى: {فان آنستم منهم رشدا} {آنستم} بمعنى علمتم وأحسستم لم ومنه قول الشاعر:
آنست نبأة وأفزعها القنا ** ص عصرا وقد دنا الامساء

والرشد الطريقة المستقيمة قال مجاهد العقل وقال سفيان العقل والحفظ للمال قال أبو جعفر وهذا من أحسن ما قيل فيه لأنه أجمع أهل العلم على أنه إذا كان عاقلا مصلحا لم يكن ممن يستحق الحجر عليه في ماله.
14 ثم قال تعالى: {فادفعوا إليهم أموالهم ولا تأكلوها إسرافا وبدارا أن يكبروا} أي مبادرة أن يكبروا فيأخذوها حدثنا منكم.
15 وقوله عز وجل: {ومن كان غنيا فليستعفف ومن كان فقيرا فليأكل بالمعروف} في هذه الآية أقوال أجودها أن لولي اليتيم ما للولي أن يأخذ منه ان كان فقيرا بمقدار ما يقوم به وكذلك روي عن عمر أنه قال أنا في هذا المال بمنزلة ولي اليتيم يأخذ منه ما يصلحه إذا احتاج.
وروى القاسم بن محمد أن أعرابيا سأل ابن عباس ما يحل لي من مال يتيمي فرخص له أن يأخذ منه إذا كان يخدمه ما لم يسرف وقال عبيدة والشعبي وأبو العالية ليس له أن يأخذ شيئا الا قرضا وحدثنا عمر بن إسماعيل بن أبي غيلان قال حدثنا داود الضبي قال حدثنا عبد الله بن المبارك عن عاصم عن أبي العالية {ومن كان فقيرا فليأكل بالمعروف} قال قرضا ثم تلا هذه الآية {فإذا دفعتم إليهم أموالهم فأشهدوا عليهم} وقال أبو يحيى عن مجاهد ليس له أن يأخذ قرضا ولا غير ذلك.
وقال بهذا القول من الفقهاء أبو يوسف وذهب إلى أن الآية منسوخة نسخها قوله: {يا أيها الذين آمنوا لا تأكلوا أموالكم بينكم بالباطل الا أن تكون تجارة} وليس بتجارة.
16 وقوله عز وجل: {للرجال نصيب مما ترك الوالدان والأقربون وللنساء نصيب مما ترك الوالدان والأقربون} يروى أنهم كانوا لا يورثون النساء وقالوا لا يرث الا من طاعن بالرمح وقاتل بالسيف فأنزل الله: {وللنساء نصيب مما ترك الوالدان والأقربون مما قل منه أو كثر نصيبا مفروضا}.
17 وقوله عز وجل: {وإذا حضر القسمة أولوا القربى واليتامى والمساكين} في هذه الآية أقوال أحدهما أنها منسوخة قال سعيد بن المسيب نسختها الميراث والوصية والاجماع من أكثر العلماء في هذا الوقت أنه لا يجب اعطاؤهم وانما هذا على جهة الندبة إلى الخير أي إذا حضروا فأعطوهم كما كان المتوفى يؤمر باعطائهم وقال عبيدة والشعبي والزهري والحسن هي محكمة قال ابن أبي نجيح يجب أن يعطوا ما طابت به الانفس.
قال أبو جعفر وأن يكون ذلك شكرا على ما رزقهم الله دونه.
18 ثم قال تعالى: {وقولوا لهم قولا معروفا} قال سعيد بن جبير يقال لهم خذوا بورك لكم.
19 وقوله عز وجل: {وليخش الذين لو تركوا من خلفهم ذرية ضعافا خافوا عليهم} قال سعيد بن جبير ومجاهد في الرجل يحضر عند المريض فيقول له قدم خيرا أو تصدق على أقربائك فأمروا أن يشفقوا على ورثة المريض كما يشفقون على ورثتهم وقال مقسم يقول له من حضره اتق الله وأمسك عليك مالك فليس أحد أحق بمالك من ولدك ولو كانوا ذوي قرابة من الذي أوصى لاحبوا ابن أن يوصي لاولادهم وقول سعيد بن جبير أشبه بمعنى الآية والله أعلم لأن المعنى خافوا عليهم الفقر فالخوف واقع على ذرية الموتى.
20 وقوله عز وجل: {إن الذين يأكلون أموال اليتامى ظلما} اليتيم في اللغة المنفرد فقيل لمن مات أبوه من بني آدم يتيم وهو في البهائم الذي ماتت أمه.
21 وقوله تعالى: {إنما يأكلون في بطونهم نارا وسيصلون سعيرا} هذا مجاز في اللفظ وحقيقته في اللغة أنه لما كان ما يأكلون يؤديهم إلى النار كانوا بمنزلة من يأكل النار وان كانوا يأكلون الطيبات.
22 وقوله عز وجل: {يوصيكم الله في أولادكم} أي يفرض عليكم كما قال: {ولا تقتلوا النفس التي حرم الله الا بالحق ذلكم وصاكم به}.
23 ثم قال تعالى: {للذكر مثل حظ الانثيين} خلافا على أهل الجاهلية لانهم كانوا لا يورثون الاناث.
24 وقوله عز وجل: {فإن كن نساء فوق اثنتين فلهن ثلثا ما ترك} ولم يسم للاثنتين شيئا ففي هذا أقوال: منها أنه قيل ان فوقا هاهنا زائدة وأن المعنى فان كن نساء اثنتين كما قال: {فاضربوا فوق الأعناق}
ب- وقيل أعطي الاثنتان الثلثين بدليل لا بنص.
لان الله عز وجل جعل هذه الاشياء يدل بعضها على بعض ليتفقه لها المسلمون والدليل أنه جعل فرض الاخوات والاخوة للام إذا كن اثنتين أو أكثر واحدا فقال عز وجل: {وإن كان رجل يورث كلالة أو امرأة وله أخ أو أخت فلكل واحد منهما السدس فان كانوا أكثر من ذلك فهم شركاء في الثلث}.
ج- ودليل آخر أنه جعل فرض الاخت كفرض البنت فلذلك يجب أن يكون فرض البنتين كفرض الاختين.
قال الله عز وجل: {يستفتونك قل الله يفتيكم في الكلالة ان امرؤ هلك ليس له ولد وله أخت فلها نصف ما ترك} وقال أبو العباس محمد بن يزيد في الآية نفسها دليل على أن للبنتين الثلثين لأنه قال: {للذكر مثل حظ الانثيين} وأقل العدد ذكر وأنثى فإذا كان للواحدة الثلث دل ذلك على أن للانثيين الثلثين فهذه أقاويل أهل اللغة وقد قيل ليس للبنات الا النصف والثلثان فلما وجب أن لا يكون للابنتين وجب أن يكون لهما الثلثان على أن ابن عباس قال لهما النصف وقد صح عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه أعطى البنتين الثلثين وروى جابر بن عبد الله أن امرأة سعد بن الربيع أتت النبي صلى الله عليه وسلم فقالت يارسول الله ان زوجي قتل معك وانما يتزوج النساء للمال وقد خلفني وخلف ابنتين وأخا وأخذ الاخ المال فدعاه رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال (ادفع إليها الثمن والى البنتين الثلثين ولك ما بقي).
25 وقوله عز وجل: {فإن كان له أخوة فلامه السدس} أجمعت الفقهاء أن الاخوة اثنان فصاعدا الا ابن عباس فانه قال لا يكون الاخوة أقل من ثلاثة والدليل على أن الاثنين يقال لهما اخوة قوله: {وإن كانوا إخوة رجالا ونساء} فلا اختلاف بين أهل العلم أن هذا يكون للاثنين فصاعدا والاثنان جماعة لأنه واحد جمعته إلى آخر.
وقال: {وأطراف النهار} يعني طرفيه والله أعلم وصلاة الاثنين جماعة.
26 وقوله عز وجل: {من بعد وصية يوصي بها أو دين} روي عن علي بن أبي طالب رضي الله عنه قال انكم تقرؤون {من بعد وصية يوصي بها أو دين} وان رسول الله صلى الله عليه وسلم قضى بالدين قبل الوصية قال أبو جعفر كأن هذا على التقديم والتأخير وليست (أو) هاهنا بمعنى الواو وانما هي للاباحة والفرق بينها وبين الواو أنه لو قال: {من بعد وصية يوصي بها ودين} جاز أن يتوهم السامع بأن هذا إذا اجتمعا فلما جاء بأو جاز أن يجتمعا وأن يكون واحد منهما.
27 وقوله عز وجل: {آباؤكم وأبناؤكم لا تدرون أيهم أقرب لكم نفعا} قال ابن عباس في الدنيا وقال غيره إذا كان الابن أرفع درجة من الاب سأل الله أن يلحقه به وكذلك الاب إذا كان أرفع درجة منه.
28 ثم قال تعالى: {فريضة من الله ان الله كان عليما حكيما} أي عليم بما فرض حكيم به.
ومعنى (كان) هاهنا فيه أقوال أحدهما أن معناه لم يزل كأن القوم عاينوا حكمة.
وعلما فأعلمهم الله عز وجل أنه لم يزل كذلك وقيل الاخبار من الله في الماضي والمستقبل واحد لأنه عنده معلوم.
29 وقوله تعالى: {وان كان رجل يورث كلالة أو امرأة} في الكلالة أقوال قال البصريون الكلالة الميت الذي لا ولد له ولا والد واحتجوا بأنه روي عن أبي بكر باختلاف وعن علي وزيد بن ثابت وابن مسعود وابن عباس وجابر بن زيد أنهم قالوا.
الكلالة من لا ولد له ولا والد وقال البصريون هذا مثل قولك رجل عقيم إذا لم يولد له وهو مشتق من الاكليل فكأن الورثة قد أحاطوا به وليس له ولد ولا والد فيجوز المال وقال أهل المدينة وأهل الكوفة الكلالة الورثة الذين لا والد فيهم ولا ولد وروي عن عمر قولان أحدهما أن الكلالة من لا ولد له ولا والد والآخر أنها من لا ولد له.
قال أبو جعفر روي عن عطاء قول شاذ قال الكلالة المال وقال ابن زيد الكلالة الميت الذي لا والد له ولا ولد والحي كلهم كلالة هذا يرث بالكلالة وهذا يورث بالكلالة وقال محمد بن جرير الصواب أن الكلالة الذي يرثون الميت من عدا ولده ووالده لصحة خبر جابر يعني ابن عبد الله أنه قال قلت يا رسول الله انما يرثني كلالة فكيف بالميراث فنزلت.